يُحكى أنه في إحدى الأوقات العصيبة التي تمر بها تلك الفتاة الجامعية الملتحقة باحدى الكليات العملية, ما بين ضغوط التسليمات و الإمتحانات وضغوط أخرى شخصية ناهيك عن أي ضغوط قومية, حدث ما لم تكن تحسبه يحدث هكذا بوضوح .. "استجابة دعاء"
طالما تطلعت صديقتنا منذ صغرها للحجاب, ثم سرعان ما رزقها الله الصحبة المعينة التي تحبب إلى قلبها النقاب تيمنا بزوجات الرسول رضوان الله عليهن, ولكن لم يكن الطريق ممهدا هكذا لتفعل ما تطلعت إليه!
لم يغلب على المجتمع المحيط التي نشأت به صديقتنا الالتزام و صلاح الصحبة المعينة, ولكن كان معينها بعد الله تلك الأم الفاضلة في تصحيح مساراتها التي كادت تندمج مع بقية المجتمع, ثم أعانها الله و بترحاب من الأم اتخذت صديقتنا المسار التي ترتضيه في خطوات الحجاب رغم سخرية الكثير و تعجب الكثير .. و لاحقا اعجاب الكثير أيضا!
كانت تضيق بتعليقات المنكرين لزيها في بادئ الأمر, ناهيك عن صحبة الطفولة التي ما لبثت أن تفرقت وكان هذا جم حزنها, ولكنها -بفضل الله- سرعان ما أدركت أن في مجتمعات الهوى ... "كل غريب منبوذ ولو كان هو الأصل و كل شائع قريب ولو كان هو الزيف"
"ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم .. قل إن الهدى هدى الله" .. بمعنى آخر الزم الصواب و إن كنت وحدك فلن يرضى عنك حتى المسلمون المتمسكون بالقشور إن أنت قررت التمسك بالأصول =)
مَنّ الله على صديقتنا في نفس العام بمجتمع جديد يثبّتها, وببشائر أمل فيمن أبدوا اعجابهم بهذا الزي الملتزم, وفي وقت قصير بفضل الله تكون ذلك المجتمع الصغير داخل كليتها مما تحسبهم على خير.
تطلعت صديقتنا للنقاب, وما كان أشده تعلق ثم كتلك الطبيعة البشرية "يزيد الإيمان و ينقص" فمع علمها بعدم وجود مجال لارتدائها النقاب بقيت على زيها التي لم تكن ترضى عنه كليا.
وبعد مدة ليست بالقصيرة عادت صديقتنا لرغبة ارتداء النقاب .. لا النقاب الشائع .. بل النقاب الصحيح .. ولكن لم يكن هناك مجال فجددت عهدها أنها لن تتزوج إلّا من يرضى لها بالنقاب زيّا! :) وكان هذا أملها الوحيد
--
وفي احدى الأيام العصيبة بالكلية وضغوط الامتحانات, دُعيت صديقتنا لحضور احدى الحلقات, وكانت تحتاجها بشدة عساها تفرغ كم الطا
قة السلبية المتراكمة اثر تلك الضغوط. وكان أدهش ما علمته عن الحلقة أن المتحدثة هي ممثلة معتزلة ممن لم تتعود متابعة أخبارهم عادة, ومع تشككها بمحتوى الحلقة و مدى عمقها, ولكن حلقة لذكر الله تظل حلقة لذكر الله .. حلقة تذكرة و إعانة و إياب .. حلقة تجديد عهد للقلب ..
ولدهشة صديقتنا كانت الحلقة أكثر من رائعة, كانت المتحدثة مدركة بعمق لما تحكي عنه .. و ما أحسن ما حكت عنه يومها .. "الجنة" : ) وكانت شواهدها من الصحيحين و القرآن و أدّت الحلقة مهمتها بفضل الله لتلك الفتاة. طلب بعض الحضور من المتحدثة أن تحكي عن اعتزالها و ارتدائها الحجاب ثم النقاب, ولم تكن صديقتنا تهتم لتلك التفاصيل بالقدر الكافي و لكنها ظلّت تستمع .. و ما كان أعجب هذه القصة .. قصة جهاد وأيّما جهاد! جهاد تام أعوام و أعوام .. جهاد نفس و جهاد أهل و أقارب و صحبة و مجتمع كامل من حولها.. جهاد حق! لم تكن المتحدثة ((التي هي الآن داعية)) لها من الصحبة أو الإعانة من شيء .. معينها الله وحده .. وكفى بالله معينا :)) انتقلت المتحدثة -كما تقول هي عن نفسها- من حياة كحياة الأجانب لا تمت للاسلام بصلة إلا اسم في البطاقة, لحياة القرب من الله و معرفته و السعي لطريق جنته
كانت قصة تلك الداعية الحديثة قوية الإيمان كما نحتسبها, مؤثرة بقدر ليس بالهيّن. فرغم عدم التزام مجتمع صديقتنا و أهلها بالقدر التي توده, ولكنه لم يكن مجتمع بعيد عن الدين كبعد مجتمع تلك الداعية ! لم يكن أي وجه تقارب على الاطلاق, ومع ذلك فقد صمدت داعيتنا أما والدها المتعنت وقالت له أنها تحبه كثيرا و لكنها تحب الله أكثر .. وهذا حينما علم بنقابها و كانت قد أخفت عليه ارتدائه.
ولكن صديقتنا لم يكن بها من القوة أن تتخذ ذلك القرار .. ليست بقوة الإيمان تلك بعد ... و لكنها دعت و أكثرت من دعاء داعيتنا في قولها فيما معناه "اللهم ارزقني الزي الذي ترضى به عني وتحبني أن تراني فيه"
--
كانت مفاجأة صديقتنا هو استجابة الدعاء بتشابه المصادفات.
حينما تحدثت الداعية عن بدء ارتدائها للاسدال ثم النقاب, كانت فقط بسوق في بلد غريب و قد دُعيت له, وكان البائع لديه من العباءات المزركشة ما كان لديه, فلم ترد أيهم, كانت تريد ذلك الزي الذي يريح النفس, و مصادفة بسؤالها البائع كان لديه آخر اسدال و لم يكن يعرضه, فأعجبت به و كان يناسبها تماما و لكنه كان باهظ الثمن.. وحين علم البائع أن داعيتنا ممثلة معتزلة -ولم يكن يعرفها- فأهداها الاسدال على غير توقع : ) ثم جاء بعدها النقاب
المصادفة حدثت بعد حضور صديقتنا للحلقة بأيام, ولم تربط الأحداث و لا الترابط إلا لاحقا حيث ضغوط تلك الأيام من امتحانات و غيرها. أعجبت صديقتنا في مرة بزي رأته مئات المرات و لم تعقب عليه, كانت ترى أنه يضيء كل الوجوه المرتدية له, ولكن رغما من ذاك فلم ترى أبدا أنه يناسبها, ثم كان هذا اليوم و قد أعجبت به حقا فأبدت ملاحظة عابرة لصديقتها.. فكان رد الصديقة "آآتي بك بواحد منه؟!" فردت صديقتنا سريعا و قد استحسنت فكرة تجربته "نعم أود حقا"
وكما هي الأحداث في تلك الأوقات العصيبة, تمر سريعا حتى لا يعلم المرء ما كانت وجبة إفطاره و هل أفطر اليوم أم لا! لم يشغل بالها هذا الحديث وكادت تنساه فعلى كل حال لن تأتي صديقتها بذلك الزي إلا بعد انتهاك تلك الأيام العصيبة ..
ولكن كان مفاجئتها أن أتت به صديقتها في صباح اليوم الذي يليه! آتت لها بزيين هدية منها وقد وضعوا بجمال كهدية مما أدخل سرورا على قلبها مع دهشة حقيقية! :))
أخذت صديقتنا مدة حتى استجمعت الصدف و أنما هذا هو الزي الذي يرضى الله عنها به في هذا الوقت .. تعجبت من أنه ليس النقاب , ولكن تيقنت أنه بمثابة خطوة كبيرة تجاهه, خاصة أنه لم يقابل باعتراض من اهلها والأقرباء ممن اعتادوا بالهجوم على زي مثله! نعم كانت تلك هي استجابة دعاء بشكل واضح وصريح و في وقت قريب لا تكاد تصدقه!
فعزمت أمرها و بدأت بارتداء ذلك الزي, والذي كان يغلب على ارتدائه أيضا فئة معينة من أصحاب اتجاهات سياسية! نعم فلا عجب, ففي هذا البلد يصنف الناس ذويهم بالزي لا بالاعتقاد!
لاحظت صديقتنا تحوّل نظرة الناس في الشوارع, في التعاملات التجارية, في أماكن عدة .. وكأنها ارتدت شعار جماعة ارهابية مثلا! .. كان زيها يفيض عليها بالهدوء و السكينة و الراحة النفسية, و يزعج آخرين أيما ازعاج!
ثم ها هي النفس تصطاد تلك الأوقات لتزحزح صاحبها عن الصواب, ففكرت صديقتنا بارتداء زي مماثل و لكن يكون أقرب لعرف المجتمع و لا تصنف به ذلك التصنيف, ولكنها لم تجد أبدا تلك السكينة به! تعلم بداخلها أنما اختيار الله هو الاختيار ...
(وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا)
وها هي الآن بين جهاد النفس وجهاد مجتمع غلبه التصنيف لعكس مُراد دين الأغلبية -أو هكذا يدّعون- وها هي الآن صديقتنا تسألكم الدعاء لها بالثبات عسى أن تكون خطوة يعقبها قرار النقاب .. والله المستعان
--
#الحجاب #النقاب #جهاد_النفس