
أعترف أنني افقد الكلمات, بل الهمسات, حين تأخذني الدنيا وترحب بي كضيفة جديدة تنزل بدار ضيافتها, حيث الزحم الوفير من كل شيء و الفيض الكثير في كل شيء, و الطرقات المتشابكة المتهالكة ذات الاتجاه الواحد.. إياب لا عود فيه.. طرقات كلما تعمقت أفقدت سالكها قسطا من ذاكرته الحسية بالأشياء وأصولها وقيمها.. فلا يتذكر ولا يحِن ولا يعود, بل الأدهى أنه كلما قطع السالك قسطا من الطريق, أضافت له الدنيا سرعة إلى سرعته وكأنه بداخل لعبة تزداد نقاط سرعته كلما مضى فيها..

ستدعه في الطريق التي أجبرته هي عليه, مضيفة إليه بعض الألوان المزهرة حتى لا يمل, ولا حرج إذا أضافت له من المحرمات شيء صغيرا, فقط صغيرا جانبا حتى اذا ما مل الطريق و غشيته الوحشة, تَلَهَّى بشيء جديد, و بالطبع لن يتعرف عليها كمحرمة, بل إنه فاقد الذاكرة ولم تعد كلمة "محرمة" تشغل قاموس كلماته, و إن سهوا مر برفيق في الطريق قد تمرد على الدنيا وبدء باشاعة الكلمات الغريبة التي لم يعد لها وجود, لربما اعتقد صاحبنا أن هذا المتمرد لا يتعدى شخص قد فقد عقله أو مسه مس من الجن!
فلننحي صاحبنا جانبا, وننحي أيضا ذاك المتمرد المجنون, ولنعطي لأنفسنا عدة ثواني, فقط ثواني كافية لطرح بعض الأسئلة "السخيفة", ولكن حذار!
حذار أن تكتشف مضيفتنا أننا سهوا قد توقفنا او أبطئنا العدو لنلقي بالا لتلك الأسئلة! فإن اكتشتفت بالخطأ أننا حقا قد أبطأنا العدو لسوف تشتعل غضبا وتثور ولن يهدأ لها بال حتى تطرد كل تلك الأسئلة السخيفة والخواطر الهالكة للوقت والتي من المرجح ان انتشارها سوف يفسد عليها ما قامت به كل تلك السنين لتبنيه وحدها بكل جِد وتعب!
فالحذر كل الحذر, فلربما ابطاء العدو يأخذنا للسير! ولربما في السير نتوقف و نتمهل!! لالا بل الأشد خطورة على مضيفتنا أننا نقف ونرجع حيثما أتينا! .. بالطبع ستعافر وتنازع ولكنها لن تصمد, ما سيوقفنا حقا هم المقبلون علينا في الطريق, ستوكل المضيفة لهم مهمة عودتنا إلى الطريق الصحيح! والمسار المراد لنا أن نبقى فيه والتيه الذي اختارته هي لنا! ولن تتقبل أبدا أن نحيد عنه أو نخرج منه لنحذر الضيوف الجدد!
ويا ويلتها إذ أكملنا الطريق بحذر, نتربص بطريق بين الظلال أو دوران يؤدي بنا حيثما نريد, وحتى حيثما في استطاعتنا الهروب مما نحن عليه ونطلق لأنفسنا العنان حتى نبدأ من جديد, ونجرب من جديد, ونختار حقا ما نريد لا ما يُراد بنا أن نريد!

من نحن؟
لما نحن هكذا؟
أين نحن و ما هو موقعنا من هذا الفضاء الواسع؟
ولما نحن هنا؟ لا على القمر؟ أو أي مكان آخر؟
لما نحن ملتنا؟ عقيدتنا؟ وحتى لما نحن جنسيتنا؟
لما أو لمن حقا ولاءنا؟ و لما لهم هم دون غيرهم؟
..
لماذا وُجدنا على هذا المكان من الكوكب؟ في هذا التوقيت بالتحديد؟ ونعرف هؤلاء الاناس بالتحديد في هذا الوقت من الزمان والمكان؟
..
لما عائلاتنا هم عائلاتنا؟ و لما بيوتنا هي بيوتنا؟ لماذا؟
..
لماذا خُلقِنا هكذا؟
نعم هي دعوة للتدبر
عسانا نتذكر ما نسيينا, عسانا نرى ما لم نراه أبدا من قبل, عسانا نتحرر من عبودية الدنيا ودواماتها ونخلص أنفسنا و نرتقي
نعم هي دعوة للخلاص والرقي والعودة للأوطان .. أوطان الفكر الحر .. أوطان السماء و الكون المنبسط ..
دعوة خارج الحدود وبلا حدود عساها تتطرق بنا خارج المألوف .. وخارج جميع ألوان الطيوف .. فقط الضياء المُطلق .."النور"