Friday, December 28, 2012

*79* وَحشَة

لوهلة..
حينما صارت بي خواطري متعاقبة متسارعة..
حينما أدركت الحقيقة .. ارتعدت روحي داخلي رعدة لم يتمكن جسدي التغاضي عنها .. بل فقد ارتعد لها أيضا و تبعثرت كل جوارحه في جلبة غريبة متناقضة متباعدة ..

ارتعد حينما أدرك كم هي الوحشة التي يعيش بداخلها دون إدراك, وحشة فقدان الحياة من حوله. وحشة أنما حياته على هذه الأرض قصيرة, قصيرة حد عدم الذِكر.

ارتعد من فكرة أنما وقته الذي يقضيه هنا و هناك على هذه الأرض يجهل تمام الجهل كم متبقى له, لا لكي ينعم به وحده ويلهو في كافة أروقة الحياة, أو حتى لتحقيق ما يثبت ذاته و يندرج تحت الأهداف الشخصية, و لكن لينعم بصحبة تلك الأرواح الكائنة حوله طيلة هذه المدة و لم يكتفي منها بعد, بل لم يكن قادرا على النعم بصحبتها بالقدر الكافي لفقدان روحه وسط دوامة الحياة و مشغولاتها الكثيرة المعقدة و التي يدرك مع وقت كم هي "لا شيء" فقط "لا شيء" مقارنة بصحبة أرواح تتمثل في الأهل و الأصدقاء و الأقارب و الجيران و نفوس أخرى صافية صفاء الثلج أعلى قمم الجبال

قد وصلت بروحي الوحشة لذروتها, ذلك حينما أدركت أنه لا يتبقى لها على هذه الأرض سوى القليل و القليل جدا, و في خلال هذا القليل قد تغدو وحيدة حزينة بعيدة كل البعد عن تلك الروح الآنسة لها الرحيمة بها القريبة لقلبها. كتلك الروح التي هلت عليها في وقت عصيب فوجدت معها كل ما يحمل معنى للوجود على هذه الأرض, و كل معنى لسبب خلق الخليقة و التعايش بينهم, وجدت معها و بها ضالتها التي كادت أن تعتقد في نفسها أنما هي خيال لا وجود له على هذه الأرض و في هذه الحقبة وسط هؤلاء الأرواح الكامنة في أجساد غريبة لا تنتمي للبشرية و لا للإنسانية التي عرفتها روحها و آمنت بها و ظلت تبحث عنها طيلة مدتها على هذه الأرض.

و لكن..
ما لبثت أن تفرقت بنا الطرق, و سكنت كل روح ما سكنت و اتخذت ما اتخذت من طرق في هذه الحياة الدنيا.. و افترقت أرواحنا..

و مع إدراكي كم هي الوحشة التي تعيش فيها نفسي .. و مع إدراكي كم هو حق علي أن أترك تلك الدوامات الحياتية التي نشأناها نحن بنو البشر و افقدنا أنفسنا بداخلها, و مع إدراكي كم تحتاج نفسي أن تحيا ما بقي لها من وقت قصير هنا مع من يشعرها حقا بقيمة و معنى هذه الحياة القصيرة, أدركت كم كنت مخطئة و كم أنا نادمة على ما فوته من وقت لم أقضه مع من يستحق حقا المعايشة و الحب و الرأفة و الإخلاص, كم كنت في غفلة طويلة الأمد بعيدة كل البعد عن معنى الحياة الحقيقي

و ها أنا ذا, أكتب قدرا بسيطا عن ما أشعر به رغم عدم تمكني من وصفه حقا لأنه أعمق مما كنت أتصور يوما, و لكن لعل روحا ما بجسدا ما يحركها عقلا ما تدرك تلك الحقيقة فتعود باحثة عن ما فقدته في الطريق, و لعلها ترجع سريعا للكنوز الكائنة في أرواح من حولها و تتدارك خطأ تقصيرها معهم قبل أن يحين الأجل و يبعدها آلاف من السنين علمها عند خالقها قبل أن تتقابل ثانية في جنة الخلد (و هذا حسن ظني بربي).
--


أشعر بوحشة لفقدان صحبتك في هذه الدنيا .. فوحده يعلم متى مقدر لأرواحنا اللقاء ثانية

Wednesday, December 26, 2012

*78* عن تناقض النفس أتكلم (1)


تستوقفني إختلافاتنا و إشتراكاتنا
تستوقفني تناقضاتنا الداخلية
تستوقفني الأمزجة و تقلباتها السيكولوجية 
تستوقفني لقمة بساطتها و تعقدها في آن واحد

و نظرا لأنني في موسم الإختبارات النصف سنوية (يفترض أني مشغولة و ليس لدي من الوقت للتأمل) و لتناقض نفسي قررت  أن آخذ قسطا من الراحة للتأمل, يُحتمل يكون هروب, و لكن بم أنني أتأمل التناقض فسأترك نفسي تناقض الظروف و تأتي بوقت التأمل في غير موضعه الآن
--

السبب الذي جذبني لأكتب و أطلق لقلمي العنان هو تناقض حكمنا على الأشياء و الأناس من حولنا

- أقابل شخص, فيحفظ عقلي الباطن عنه إنطباعا ما سواء بالصواب كان أو الخطأ, و من ثم يقرر عقلي الباطن الحكم, هل هو مختلف أم متشابه؟ هل حينما يتكلم سأكون في موقف دفاعي أم هجومي أم لن أأبه بما يقول أم سأنصت له؟ 
الحكم يبدأ باكرا قبل أن يتطرق الطرف الآخر لقول أي حرف كان

- أقابل شخص آخر عن طريق كتاباته هنا أو هناك, فأنظر أولا, هل هو ممكن سبق أن حكمت عليهم مسبقا بحكم لا رد فيه؟ سواء كان صديق او قريب أو شخصية معروفة؟ حينها لا أفكر في الكلمات لأن إنطباعي قد سبق الحكم, أنا إذا كان شخصا أجهله و لكن لي من يعرفه أو ينشر كتاباته, إذا فحكمي على الشخصية المجهولة سيكون محكوم عليه بحكمي على شصخية من أعرفه(الواصل بيننا)(اال common friend), و هكذا أكون قد حكمت على شخص بمجهول بدلالة المعروف لدي سواء كان حكمي صائب أم خاطئ

-و نادرا نادرا ما يحدث الآتي .. أقابل شخصا آخر و لكن بدون رؤية نظرية, أراه عن طريق بضع كلمات هنا أو هناك أيضا, و لكن هذه المرة لا يكون هناك شخص كحلقة وصل, و لم أكن قد سمعت بها الإسم من قبل, حينها - إن كانت الكلمات واضحة لا تحتاج شرح لموضعها- فيبدأ عقلي الباطن التفكير فيها .. ثم البحث عن آراء أخرى و من ثم يبدأ عقلي بالحكم الجزئي أو الكلي.

و هنا السؤال .. لماذا وصلنا لتلك المرحلة من الظن و الحكم الغيابي و تغليب الإنطباع على الواقع؟
هذا الشخص في الموقف الثالث كان يمكن أن يكون في الأول أو الثاني؟ لا بل كان يمكن أن يكون صديقك المقرب أو أخوك أو والدك؟ و لكن لن تعيره إهتمام كافي لأنك قد حكمت عليه مسبقا بحكم ما

في حياتي آمنت أن الإنطباع هام و ضروري, و لكني صدمت بأن حالنا وصل لكسر كل قاعدة و منها "البيت يبين من عنوانه" 
فالآن كل الناس تسكن كل الأماكن بشكل لا تصدقه أغلب العقول :) 

فتلك الفتاة التي عملت معها.. ظننت في بادئ الأمر أنها غالبا ما تنتمي لديانة أخرى .. و قد أذهلت لاحقا .. فقد وجدت بها ما لم أجده في أغلب من قابلتهم .. بل ولا أجد حرجا في قولي أنها من أرشدتني للمعنى الجوهري خلف الصلاة و كيف تكون على أكمل وجه

و تلك الفتاة الأخرى -وهي تدين بديانة أخرى فعليا- التي جعلتني أتسمر أكثر من مرة حينما أجدها تعلق بإعجاب على ما أنشره من دعاء وحكم تحسب على أنها إسلامية على الرغم من ارتباط الفتاة بديانتها .. ثم لاحقا أجدنا متشابهين كل الشبه و نسعى لنفس الهدف السامي في هذه الحياة

هؤلاء و أكثر جعلوني أراجع نفسي كثيرا .. فظاهريا لا يمكن أن يجمعنا عقل باطن في خانة واحدة .. و لكن فعليا نحن أقرب ما يكون إلى بعضنا البعض حينما نرجح الحقائق و نسعى للإستماع و إيجاد المشتركات الإنسانية و الأخلاقية السامية, حينها تكون الحياة أرقى و تكون وحدتنا قائما دون شعارات رنانة


حاول تتخيل أن كل واحد تقابله يحمل تلك الورقة على صدره: "أستحق حبك و إحترامك"

 قبل أن تحكم عليه
إعطيه فرصة لإثبات ذلك واعط لنفسك فرصة لسماعه :)