Monday, December 26, 2016

*121* فُتِنّا .. يا صديقي

فُتِنّا .. نعم فُتِنّا
فٌتِنّا جميعا يا صديقي..

فُتِنّا, و تفاوتت درجات الفتن ومدى انعكاسها على حَيواتِنا, وتفاوت معها مدى ظهورها للعالم مِن حولنا, بل تفاوتَ معها مفهومنا عن العالَم وعن الحياة

فُتِنّا دونما إدراك حقيقي بعواقب الفتن, ظنناها صغيرة هيّنة أو هكذا خيّلتها لنا نفوسنا الضعيفة, ظنناها تراجع ضئيل وأننا بمأمَنٍ عن الفِتَن فقط تراجع قليل عن خير كثير الأبواب, ثم تراجع أكبر, فتوقف, فتدحضُر, ولكننا دوما ظننا أننا لازلنا بنفس المأمَن, على أقل تقدير بمأمن عن عِظام الفِتَن,   فلسنا مثل ذلك أو تلك! نعم, نعم خيّلت لنا أنفسنا أننا أفضل, أو قل أننا لم نسوء بعد !

حقا, يا صديقي, تملكتنا الفتن, حتى أننا لم نعد نمتلك شجاعة المصارحة بها جهرا, أو حتى أمام ضمائرنا. لا نحتمل فكرة أن فتنة من حولنا مسؤوليتنا الأولى, ليس من باب الوعظ والحماسة, بل هي حقا مسؤوليتنا التي نتحمل أوزارها بكل ما تحمله الكلمة من معنى.. فلقد عَرِفنا, وفهِمنا, وتذوقنا, واقتربنا, فعَزَمنا وعهِدنا وتَحَدَثنا, وحينما وجدنا من ينصت, زِدنا.

لقد كنا منابرَ يا صديقي لكلمة نصح أو تذكرة, لكلمة نور وسط العتمة, لكلمات تسقي العطشى وتطمئن النفوس الحيارى, وَصَل أثرها لعشرات ومئات وآلاف مؤلفة, استمرت وتكاثرت وراحت تنشر عبقها كفراشة طليقة حرة ترى أثرها على كل من مرت به. كنا يا صديقي منارات أمل وصدق حينما صَدَقنا العهد, كنا دليل لمئات هائمة على وجوهها حينما كنا على الطريق ..

والآن, ماذا الآن؟ 
انكمشنا, تقهقرنا, انغلقنا, كفّينا واكتفينا, استسلمنا وسلّمنا, وسَلَبنا كل ما أَعطَيْنا فحُرِمْنا مما أُعطِينا,  وظننا بل وادعينا أنما لا وِزرَ علينا, لا مسؤولية لنُسأل عليها !

ثم بعد تلك الغفوة نفاجأ بصدمات بين الفينة والأخرى, تأتي متعاقبة متسارعة, فنزيد من عزل أنفسنا عنها خشية الفتنة, ولا نلتفت لنتساءل إن كانت وازرتنا أم وزر أخرى ؟

نخشى أن نصطدم بالحقيقة, وهي أن فتنتنا الهينة ليست بهينة, وأننا ضررنا بل فتنا غيرنا الكثير والكثير بقهقرتنا وانعزالنا, وأننا لسنا نعيش وحدنا بمعزل عن العالم ولم نُخلق يوما لنكون بمعزل.

نخشى أن نعترف, يا صديقي, أن فشل مجتمعاتنا وهزيمة أوطاننا وسقوط أمتنا هو ذنب كل فرد منا حقا وفعلا ويقينا, وأن ما نعلّق عليه أيا منهم ليس بسبب, وأن ما نعوِّلُ عليه دون أنفسنا لن يعوَّل !

فُتِنّا يا صديقي أيّما فتنة, وإن لم نشد الوثاق أضعاف أضعاف ما سبق, فسنغرق جميعا, وحينها لن نحمل فقط أوزار من حولنا, بل سنحمل أوزار كل من سيأتي بعدنا إلى أن يحين المَعاد..