Friday, March 21, 2014

*115* في الملكوت الواسع هناك .. نجد أنفسنا


أغبط أولئك القادرين على السفر للصحراء الواسعة, والجبال الشاهقة, والمرتفعات الخارجة عن نطاق العالم السفلي -عالم البشر والبشرية- حيث الإنطلاق و الحرية, حيث البحث عن الذات, حيث رؤية العُمق في اللا نهائيات..

كلما انفردت بذاتي وسرقت بعض لحظات السكينة -والتي نادرا ما تتاح لي- كلما أطلقت للنفس عنان التخيل
فإنني كلما قرأت, كلما حاولت التخيل .. وكلما تخيلت, كلما طالبت نفسي المزيد من الحرية من تلك الجلبة المصطنعة هنا و هناك ..

وكلما أرادت التحرر من ضيق الأفق و سجون التفاصيل المزدجمة, والانطلاق حيث السكينة و الطمأنينة .. حيث السبيل له .. سبيل المعرفة به .. سبيل الإياب للفطرة .. سبيل الشوق للبدايات .. لبساطة ويُسر المعاني .. وعُمقها اللا محدود ..

سبيل هروب النفس من الوجود لرب الوجود .. الواحد المعبود


كلما اقتربت منه كلما علّمك .. وكلما علمت كلما تدبرت .. وكلما تدبرت كلما زدت يقينا بالجزاء .. فهجرت لذات الفانية لتحظى بلذات الباقية

نعم فلقد علمت النفس مكانها حيثما فقدت ذلك الشعور بلذة الحلوى, نعم هي تلك الأشياء البسيطة ولكنها لم تدرك أبدا أنها لذة و شهوة فانية, اعتَقَدَت أنه طبع الانسان حب الأشياء, التفاصيل والتعلق بها, طلبها و السعي لها أحيانا, والتلذذ بها حين التواجد.. ولكن..

إنها كبقية الأشياء .. تلك الحلوى الطفيلية .. كتلك الأشياء المخلوقة .. تشتيت زائف .. مخلوق زائل .. تعلُّق بلا نفع ..

إنها كل تلك الحياة .. كالحقيقة الزائفة .. الزائلة .. كعدم أُوجد للشتات ثُم إلى زوال .. بل هو العدم في ذاته إن صح الوصف


أقف هناك في مخيلتي .. أقف وحدي في ذلك الملكوت الواسع .. حيث نفسي تجد نفسي .. وتجد الإجابات على تلك الأسئلة الفطرية, وتلك التعجبات الذاتية من حيوات المخلوقات, واهتمامات البشر الغير عقلية, واصطناع الزيف و من ثَم دحض الحقائق, وخلق المشقات الأبدية و من ثَم تصديقها و الاعتقاد فيها, و فناء رحلات البشر الأرضية في سبيل تلك المشقات الدونية ..

تجد الاجابات و لكن .. تعلم النفس أنها لطالما لم تعلم أبدا .. و لن تعلم أبدا .. ولن يُلِم هذا العقل المخلوق باللامحدود من تلك الأكوان المجهولة .. شديدة البُعد الفيزيائي, عجيبة البُعد الروحاني, عظيمة في خلقتها, لعِظم خالقها


أتذكر تلك المرة حينما شعرت بذلك الشعور العجيب المخلوط بين الرهبة و الرغبة, بين ادراك اللا مُدرك والفضول لما خلفه, بين تلك السكينة و ذلك الخوف الذي جلبها ذلك المشهد.

كنت أسبح ليلا -قلما أحببت وفعلت- وكان الهدوء يعم المكان, كنت في ذلك المكان حيث الشاطئ جنوبي و الجبال شمالي و الصحراء تغلب العمار, كانت المدينة هادئة في تلك الليلة, ثم انقطعت الكهرباء لبعض الوقت.. وإذ هم جميعا هناك..


كنت أسبح فاستلقيت على الماء و شاهدت الأفق .. كانوا جميعا هناك, كل تلك مواقع النجوم و انعكاساتها .. كانت تملأ الفضاء في مشهد مهيب .. البحر الواسع و الجبال الشاهقة و الأضواء الكونية البعيدة و ذلك السكون العجيب .... لم يتمالك القلب إلّا الاسراع في نبضه وقد تملّك النفس ذلك الشعور بالرهبة و الرغبة ... لم يكن مشهد ليوصف و لن تصفه الكلمات مهما جاز لها الوصف .. ولكنه ذلك الشعور و تلك اللحظات التي لا تتكرر .. ولا تُنسى .. 

حيث تُدرك الغير مُدرك و تجد ضالتك في الملكوت ..


وللحديث بقية باذن الله ..